القطاع الثالث واستدامة البحث والتطوير

د/بتلاء الصويان

البحث كان دائمًا حجر الزاوية في تقدم المجتمعات. عادة ما يتم تمويل الأنشطة البحثية من قبل ثلاثة قطاعات رئيسية: الحكومة، القطاع الخاص، والقطاع الثالث. يلعب كل من هذه القطاعات دورًا فريدًا في تعزيز المعرفة
ودفع عجلة التطور. غالبًا ما تكون الحكومة هي الممول الرئيسي للأبحاث في البلد، خاصة الأبحاث الأساسية وتلك التي تخدم المصلحة العامة، والتي قد لا تكون لها قيمة تجارية مباشرة ولكنها أساسية للنمو الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل.

من ناحية أخرى، يركز القطاع الخاص بشكل كبير على الأبحاث التطبيقية التي تهدف إلى توليد منتجات وخدمات وتقنيات قابلة للتسويق أو تعزيز الربحية والتنافسية. في المقابل، يساهم القطاع الثالث، المتمثل في المنظمات غير الربحية والجمعيات والمؤسسات الخيرية، في تمويل الأبحاث ذات الطابع الاجتماعي الملح مثل أبحاث الرعاية الصحية والتعليم والاستدامة البيئية.

وضعت المملكة العربية السعودية هدفًا طموحًا يتمثل في زيادة الإنفاق السنوي على البحث والتطوير والابتكار (RDI) ليصل إلى 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2040. لتحقيق هذا الهدف، يستوجب زيادة كبيرة في مساهمة كل قطاع. وبما أن الحكومة تتحمل حاليًا العبء الأكبر، تبرز الحاجة إلى أن يعزز كل من القطاع الخاص والقطاع الثالث من مساهمتهما.

أود أن أركز في هذا المقال على القطاع الثالث، حيث حققت المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة تقدمًا كبيرًا في تأهيل القطاع كجزء من إطار عمل رؤية 2030. تبنت الحكومة عددًا من المبادرات التي تهدف إلى تمكين المنظمات غير الربحية والجمعيات والمؤسسات الخيرية. يشمل هذا التمكين زيادة التمويل للكيانات التابعة للقطاع الثالث، وإجراء إصلاحات تنظيمية لتبسيط عملياتها، وتعزيز الشراكات مع جهات عامة وخاصة. كل ذلك بهدف تعزيز قدرة القطاع على لعب دور فعال في التنمية الوطنية.

من التطورات الواعدة بشكل خاص هو ظهور المبادرات القائمة على البحث ضمن أجندة القطاع الثالث. إذ بدأت المنظمات غير الربحية والجمعيات والمؤسسات الخيرية في إدراك قيمة دعم الأبحاث لحل المشكلات المجتمعية وتحسين جودة الحياة. لكن، يعتمد نمو ونجاح هذه المبادرات بشكل كبير على الجامعات والمراكز البحثية، التي تعد شركاء أساسيين في هذا الحراك.

من المهم أن تدعم الجامعات والمراكز البحثية توجه القطاع الثالث بتحويل جزء من المنح والتبرعات لتمويل الأبحاث. يتحقق ذلك من خلال تبني هذه الجامعات لأعلى معايير الشفافية والكفاءة في إدارة الأنشطة البحثية. يجب أن تحرص الجامعات على استخدام مواردها المالية بكفاءة عالية، مما يقلل الهدر ويحقق أكبر قدر من المنفعة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تصبح هذه المؤسسات أكثر ديناميكية في عملياتها بحيث تتكيف بسرعة مع التحديات والفرص والتطورات المستجدة في مجالها.

كما يجب أن تقدم الجامعات والمراكز البحثية تقارير دورية واضحة عن إنجازاتها، والعمل على إظهار المخرجات المباشرة وغير المباشرة لأنشطتها البحثية. علاوة على ذلك، يتعين على هذه المؤسسات أن تركز على ترجمة هذه المخرجات إلى مصطلحات مفهومة وسهلة النشر للوصول إلى العامة. كل ذلك يساعد الجمهور على فهم كيف تساهم الأبحاث في بناء المجتمع، مما يساهم في بناء ثقة الجمهور في هذه الجهات، وبالتالي تعزيز

المشاركة المجتمعية وجذب التبرعات، الذي يعد أساس حراك القطاع الثالث.

عالمة أبحاث