خصائص الصناعات الطبية الحيوية
د. بتلاء الصويان – نائب رئيس مجلس الإدارة
في سلسلة المقالات هذه نستكمل مناقشة الخصائص المميزة لدي الصناعات الطبية الحيوية والتي تشكل المشهد العام للصناعة، ودور هذه الخصائص في تبني أدوات الذكاء الاصطناعي. ان فهم التغيير المصاحب لهذا التحول على الصناعات الطبية الحيوية أمر ضروري لتعزيز تطور الصناعة من خلال توجيه الاستثمار ورسم المسار الصحيح للسياسات المتعلقة بها، بالإضافة الى زيادة فعالية الرعاية الصحية. الخاصية التي سنناقشها في هذا المقال هي قيام هذه الصناعة على انشطة البحث والتطوير حيث انها تشكل لبنة الأساس لهذا القطاع، وهذا يتطلب رؤوس أموال الضخمة و دورات إنتاج الطويلة.
تعتمد الصناعات الطبية الحيوية بشكل كبير على البحث والتطوير (R&D) من أجل تقديم منتجات وخدمات جديدة في الصناعات الطبية. غالبًا ما يتضمن ذلك تطوير تقنيات جديدة وهي عملية محفوفة بالمخاطر كونها تتطلب الكثير من الوقت و المال. ومع ذلك، فإن هذه الممارسة هي حجر الزاوية لنمو القطاع. تحتاج شركات الصناعات الطبية الحيوية إلى رأس مال كبير من أجل تمويل جهود البحث والتطوير ومن ثم إكمال التجارب المخبرية و السريرية وجمع الموافقات اللازمة قبل الانتقال الى مرحلة التصنيع.
إختلاف تكلفة تطوير المنتج
تختلف التكلفة التي تحتاجها عملية تطوير منتج معين باختلاف التكنولوجيا المستخدمة والمتطلبات التنظيمية لصناعة الأدوية و المنتجات الطبية. إذا أخذنا منتجًا رئيسيًا في هذه الصناعة كمثال، فان تكلفة تطوير دواء جديد تتراوح بين 0.5 إلى 2 مليار دولار أمريكي. ويشمل ذلك التكاليف المباشرة مثل البحث والتطوير، والتكاليف غير المباشرة مثل تكلفة الفرصة البديلة لرأس المال المستثمر. بالإضافة إلى التكلفة المرتفعة، فان دورات تطوير المنتجات والخدمات المتعلقة بهذا القطاع طويلة جدا.
مرة أخرى، يرجع ذلك إلى السنوات العديدة المطلوبة للبحث والتطوير والاختبارات المخبرية و السريرية، تليها الموافقات التنظيمية قبل تصنيعها و طرحها في الأسواق. يختلف الوقت المطلوب للتطوير من منتج لآخر، عطفا على المثال السابق فانه في المتوسط يستغرق تطوير دواء جديد 10 سنوات من الاكتشاف إلى إكمال الموافقات التنظيمية.
بشكل عام، يعد تطوير منتج حيوي طبي جديد مغامرة عالية المخاطر، حيث يتطلب استثمارًا ضخما في الوقت والمال دون أي ضمانات. من المسلم به أن هذه الصناعة تتميز بمعدل فشل مرتفع، مع فشل العديد من الصناعات الطبية في الوصول إلى السوق بسبب نتائج التجارب السريرية أو التغييرات التنظيمية أو عدم الجدوى الاقتصادية.
قدر الخبراء أن 10-12٪ فقط من الأدوية التي تدخل الاختبارات السريرية يتم الموافقة عليها و طرحها في السوق. إلا أنه عندما يصبح المنتج «ناجحًا»، ويطرح في السوق، فانه غالبا ما تكون العوائد كبيرة جدًا. من المتوقع أن يحقق المنتج الحيوي الطبي الناجح مليارات الدولارات من عائدات مبيعات المنتج نفسه، بالإضافة الى رسوم الترخيص المحتملة.
مثلا حقق عقار ضخم يسمى Humira طورته شركة AbbVie للأدوية 21.2 مليار دولار أمريكي في عام 2022. احتل هذا الدواء المرتبة الثالثة في المبيعات العالمية للمنتجات الصيدلانية لذلك العام، حيث ساهم بثلث إجمالي إيرادات الشركة البالغة 58 مليار دولار أمريكي. بينما احتل المرتبة الأولى و الثانية لذات العام اثنين من لقاحات Covid-19، والتي حققت حوالي 62 مليار دولار أمريكي مجتمعة.
على الرغم من ذلك، من المتوقع أن تواجه مبيعات Humira انخفاضًا بنسبة 37٪ بحلول العام المقبل، حيث ستبدأ عشرات البدائل الحيوية بالتوفر. لذلك، تعوض الشركات التكلفة العالية والمخاطر المرتبطة بهذا القطاع عن طريق تحقيق أرباح كبيرة من منتجاتها الناجحة لأطول فترة ممكنة. بالإضافة إلى المكاسب المالية، يعزز المنتج الناجح صورة و مكانة الشركة في القطاع، مما يساهم في زيادة فرصها في جذب الاستثمارات و الشراكات، ناهيك طبعا عن دور المنتج في تحسين فعالية الرعاية الصحية و جودة الحياة للفئة المستهدفة
تأثير الذكاء الإصطناعي علي الصناعات الطبية الحيوية
كل ما سبق ضغط على القطاع للاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي على الفور لأغراض تسريع وتحسين المراحل المختلفة من دورة حياة تطوير المنتج. قد يكون التأثير الأبرز للذكاء الاصطناعي على الصناعة الحيوية الطبية هو تأثيره على عملية البحث والتطوير. احدث الذكاء الاصطناعي تقدمًا كبيرًا في منهجيات البحث، وغيّرت ادواته الطريقة التي يُجري بها العلماء أبحاثهم بطريقة جذرية. من خلال الاستفادة من أدوات الذكاء الاصطناعي، إلى جانب البيانات الضخمة، يمكن للباحثين استنباط دلائل مبنية على أسس علمية، بطريقة لم تكن ممكنة في السابق. حيث يمكن للخوارزميات من استنباط استنتاجات عن طريق تحليل كم هائل من البيانات الكيميائية و البيولوجية و الاكلينيكية وربطها ببعض
هذه الاستنتاجات تساعد الباحثين في تصميم وتطوير التدخلات العلاجية الجديدة و الصناعات الطبية وأدوات التشخيص والأجهزة الطبية. على سبيل المثال، الان عند اكتشاف دواء جديد، يتم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في كل خطوة من خطوات البحث و التطوير. ويشمل ذلك تحديد الهدف و تصميم التركيبة و التنبؤ بردة فعل النسيج المستهدف و تصميم التجارب السريرية، وصولاً إلى مراقبة ما بعد التسويق. في أوائل عام 2020، دخل أول دواء مصمم بالذكاء الاصطناعي لعلاج اضطراب الوسواس القهري مرحلة الاختبارات السريرية.
بمساعدة الخوارزميات، تمكن الباحثين من تطوير الدواء واعتماده للاختبار السريري في غضون 12 شهرًا فقط، لكنه لم يحقق معايير التقييم وتم إيقافه لاحقًا. من ناحية أخرى، في منتصف عام 2023، عقار اخر مضاد للتليف تم اكتشافه وتصميمه باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي نجح في بلوغ المرحلة الثانية، و حاليًا تجري عليه التجارب السريرية.
يزداد اعتماد الباحثين في مجال الطب على أدوات الذكاء الاصطناعي والمختبرات الجافة، أي بيئة البحث الحاسوبية أو القائمة على البيانات، مقارنة بالمختبرات الرطبة، أي بيئة المختبرات التقليدية. وقد مكّن هذا الباحثين من تسريع عملية الاكتشاف، وتقليل الموارد المطلوبة بشكل كبير، مقارنة بأساليب البحث التقليدية.
مستقبل عمليات البحث و التطوير
من المتوقع ان يؤدي تسريع عملية البحث و التطوير إلى تسريع ايصال المنتجات الحيوية الطبية، أي المنتجات المنقذة للحياة للمرضى. كما انه من المتوقع في المستقبل ان تنخفض تكلفة البحث و التطوير مما قد يتسرب تدريجيًا إلى أسعار المنتجات، حيث يتم حاليا تسعير الصناعات الطبية الحيوية بشكل باهظ من أجل تغطية نفقات البحث والتطوير. بالإضافة إلى تقليل الوقت والتكلفة، فإن الاعتماد على البيانات الكبيرة والاستنتاجات الخوارزمية قد يقلل من معدلات الفشل، مما يسهل التوسع في حلول الرعاية الصحية.
علاوة على ذلك، مع تقليل راس المال و الوقت و المخاطر، سوف تتمكن الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة من الدخول الى السوق. وهذا يقود إلى زيادة الابتكار والمنافسة في هذا المجال، وفي نهاية المطاف يعود بالفائدة على المستهلك من خلال تحسين الخدمة و التسعيرة
لاتنسي الإطلاع علي باقي أخبارنا